أسباب ضعف الشعر عند الأطفال: نظرة طبية شاملة على العوامل المؤثرة في صحة الشعر الطفولي

يُعد الشعر جزءًا مهمًا من مظهر الإنسان، ويُنظر إليه كأحد مؤشرات الصحة العامة، سواء لدى الكبار أو الصغار. إلا أن صحة الشعر لدى الأطفال تمثل مؤشراً أكثر دقة نظرًا لحساسية أجسامهم وتطورهم البيولوجي المستمر. ومن أكثر المشكلات التي تثير قلق الأهالي ضعف الشعر عند الأطفال، سواء من حيث بطء النمو، أو ترققه، أو تساقطه غير الطبيعي. ولتقديم فهم علمي دقيق لهذه الظاهرة، لا بد من التطرق إلى أسبابها البيولوجية، الغذائية، النفسية، والوراثية، مع التركيز على السياق الطبي والوقائي.

أولاً: النمو الطبيعي للشعر عند الأطفال

قبل الخوض في أسباب ضعف الشعر، من المهم فهم المراحل الطبيعية لنمو شعر الطفل. يبدأ الشعر في النمو لدى الجنين خلال الأسبوع الرابع عشر من الحمل، وتستمر بصيلات الشعر في التطور حتى الولادة. بعد الولادة، يمر شعر الطفل بمراحل متغيرة، فقد يسقط الشعر الولادي خلال الأشهر الأولى من الحياة، ويبدأ بعدها الشعر الدائم بالنمو.

ينمو الشعر وفق دورة تتألف من ثلاث مراحل:

1. مرحلة النمو (Anagen): وهي أطول مرحلة، وتستمر لسنوات، ويحدث فيها تكاثر الخلايا ونمو الشعر.

2. مرحلة الانتقال (Catagen): تستمر لعدة أسابيع، يتم فيها توقف النمو تدريجياً.

3. مرحلة الراحة (Telogen): تستمر لعدة أشهر، تسقط فيها الشعرة لتحل محلها شعرة جديدة.

أي اضطراب في هذه الدورة قد يؤدي إلى ضعف في نمو الشعر أو تساقطه.

ثانياً: الأسباب البيولوجية والوراثية لضعف الشعر عند الأطفال

1. العوامل الوراثية (Genetic Factors)

تلعب العوامل الوراثية دورًا رئيسيًا في تحديد كثافة الشعر وطبيعته. يعاني بعض الأطفال من حالة تُعرف بـ “فرط الحساسية الأندروجينية الوراثية”، حيث تؤدي الجينات إلى تكوين بصيلات شعر صغيرة أو ضعيفة النشاط. في حالات أخرى، تظهر أمراض مثل “الثعلبة الوراثية” التي تبدأ مبكرًا وقد تؤثر على كثافة الشعر وتوزيعه.

2. الاضطرابات الهرمونية

يُعد الخلل في إفراز الهرمونات من أبرز الأسباب المؤثرة على صحة الشعر عند الأطفال، خاصةً في حالات اضطرابات الغدة الدرقية (Hypothyroidism). يؤدي نقص هرمونات الغدة الدرقية إلى إبطاء عمليات الأيض بما في ذلك النمو الطبيعي للشعر. كما أن زيادة هرمونات الأندروجين، في حالات نادرة لدى الأطفال، قد تؤثر على توزيع الشعر وكثافته.

3. الأمراض الجلدية

تشمل الأمراض الجلدية التي تؤثر على شعر الطفل:

• الثعلبة البقعية (Alopecia Areata): مرض مناعي ذاتي يؤدي إلى تساقط الشعر في بقع محددة من فروة الرأس.

• الإكزيما الدهنية: تسبب التهاباً في الجلد وقد تؤثر على صحة فروة الرأس.

• التينيا (Tinea Capitis): عدوى فطرية تصيب فروة الرأس وتؤدي إلى تساقط الشعر في مناطق محددة.

ثالثاً: الأسباب الغذائية وسوء التغذية

تعتبر التغذية من العوامل الأساسية التي تؤثر على صحة الشعر، خاصةً عند الأطفال الذين هم في طور النمو والتطور السريع. ويؤدي نقص العناصر الغذائية الأساسية إلى ضعف بنية الشعر، تأخر نموه، وهشاشته.

أهم العناصر الغذائية المؤثرة:

تعاني فئة كبيرة من الأطفال، خاصةً في البلدان النامية، من نقص هذه العناصر بسبب الحمية الغذائية غير المتوازنة أو سوء الامتصاص الناتج عن أمراض الجهاز الهضمي مثل “الداء البطني” أو “التهاب الأمعاء”.

رابعاً: الأسباب النفسية والعاطفية

يؤثر الجانب النفسي بشكل مباشر على صحة الشعر لدى الأطفال. فالتعرض المستمر للتوتر أو الصدمات العاطفية، مثل فقدان أحد الوالدين أو التعرض للتنمر، قد يؤدي إلى اضطرابات في دورة نمو الشعر.

أبرز الاضطرابات النفسية المرتبطة:

• تساقط الشعر الكربي (Telogen Effluvium): حالة تنجم عن تغيرات مفاجئة في الجسم أو النفسية تؤدي إلى انتقال عدد كبير من الشعر إلى مرحلة الراحة.

• اضطراب نزع الشعر (Trichotillomania): سلوك قهري يدفع الطفل إلى نزع الشعر بنفسه، ويُعد من اضطرابات الطفولة المرتبطة بالقلق والوسواس القهري.

خامساً: العادات السيئة في العناية بالشعر

يلعب نمط العناية بالشعر دوراً محورياً في الحفاظ على صحته، ويتسبب الإهمال أو الممارسات الخاطئة في إضعاف الشعر عند الأطفال:

• الإفراط في استخدام المستحضرات الكيميائية مثل الشامبو غير المناسب أو المواد المعطرة قد يضر بفروة الرأس.

• شدّ الشعر بقوة عند التمشيط أو تصفيفه يضعف الجذور ويؤدي إلى تساقطه.

• التجفيف بالحرارة العالية يؤدي إلى تلف الشعر وجفافه، خاصةً عندما يُستخدم باستمرار.

سادساً: العدوى الفطرية والميكروبية

تُعد عدوى فروة الرأس من الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى تساقط الشعر عند الأطفال، خصوصًا في البيئات التي تفتقر إلى النظافة أو التي يكثر فيها الاحتكاك بين الأطفال في المدارس والحضانات.

أبرز أنواع العدوى:

• الفطريات الجلدية (Tinea Capitis): تظهر على شكل بقع صلعاء دائرية مصحوبة بحكة أو قشور.

• التهاب الجلد البكتيري: قد يسبب تهيجًا أو تقرحات تؤثر على بصيلات الشعر.

• القمل والصئبان: تؤدي إلى حكة شديدة قد تتسبب في حك الرأس بقوة وتساقط الشعر.

سابعاً: العوامل البيئية وتأثير المناخ

تلعب البيئة دوراً هاماً في التأثير على شعر الطفل، إذ إن التعرض المستمر للملوثات الهوائية، أو الماء الملوث، أو أشعة الشمس الحارقة، يضعف بنية الشعر:

• الكلور في مياه المسابح يزيل الزيوت الطبيعية ويجعل الشعر هشًا.

• الأتربة والملوثات الهوائية قد تتسبب في انسداد بصيلات الشعر وتراكم الشوائب على فروة الرأس.

• التعرض المستمر لأشعة الشمس يسبب جفاف الشعر وفقدانه للمعان.

ثامناً: العوامل المناعية والأمراض الجهازية

قد تكون بعض الأمراض المزمنة أو الاضطرابات المناعية مسؤولة عن ضعف الشعر، مثل:

• الذئبة الحمراء (Systemic Lupus Erythematosus): تؤدي إلى التهابات مزمنة تؤثر على أنسجة الجسم بما فيها الجلد وفروة الرأس.

• السكري من النوع الأول: يؤثر على الدورة الدموية الصغيرة التي تغذي بصيلات الشعر.

• أمراض الكبد والكلى: ينتج عنها اضطرابات استقلابية تؤثر على تكوين البروتينات والعناصر اللازمة لنمو الشعر.

تاسعاً: أدوية وعلاجات طبية قد تسبب تساقط الشعر

قد تؤدي بعض الأدوية التي تُعطى للأطفال إلى ضعف نمو الشعر كأثر جانبي غير مرغوب فيه، ومن أبرز هذه الأدوية:

• علاجات السرطان (الكيميائي والإشعاعي): تسبب توقفاً مؤقتاً في نمو الشعر، وقد يصاحبه تساقط كامل.

• مضادات الصرع: مثل الفينيتوين.

• مضادات الاكتئاب والمنومات: التي تُعطى أحياناً للأطفال في حالات خاصة.

• الجرعات العالية من فيتامين A: تؤدي إلى اضطرابات في بصيلات الشعر وتساقطه.

عاشراً: الرضاعة غير الطبيعية والفطام المبكر

يعد الحليب الطبيعي مصدرًا غنيًا بالفيتامينات والمعادن الأساسية لنمو الطفل، ومن بينها تلك الضرورية لنمو الشعر. ويؤدي الاعتماد المبكر على حليب صناعي أو الفطام غير المخطط إلى نقص في هذه العناصر، مما يؤثر مباشرةً على صحة الشعر.

الحادي عشر: دور العوامل الوراثية في تحديد نوعية الشعر

رغم أن الوراثة لا تعني بالضرورة وجود مرض أو ضعف، إلا أن بعض السمات الموروثة تؤثر على بنية الشعر وكثافته:

• الشعر الخفيف الناعم قد يكون موروثاً من أحد الوالدين، ولا يرتبط بمشكلة صحية.

• اختلاف توزيع بصيلات الشعر في فروة الرأس يحدد طبيعة النمو من حيث الاتجاه والكثافة.

خلاصة الأسباب الرئيسية لضعف الشعر عند الأطفال (جدول ملخص)

المراجع العلمية

• Olsen, E.A. (2003). “Alopecia in children: Part I. Tinea capitis, telogen effluvium, trichotillomania, and traction alopecia.” Journal of the American Academy of Dermatology, 48(2), 183-206.

• Trost, L.B., Bergfeld, W.F., & Calogeras, E. (2006). “The diagnosis and treatment of iron deficiency and its potential relationship to hair loss.” Journal of the American Academy of Dermatology, 54(5), 824-844.